روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | أعتزل أهلي.. لأنهم غير ملتزمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > أعتزل أهلي.. لأنهم غير ملتزمين


  أعتزل أهلي.. لأنهم غير ملتزمين
     عدد مرات المشاهدة: 2850        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعيش في بيت محافظ على فروضه؛ لكن تسود فيه آفات اللسان؛ من غيبة وسخرية بالآخرين وتساهل بالكذب، نصحت مرارًا لكن لا فائدة. ولم أجالسهم قط إلا ويغتابون أو يستهزئون أو ينتقدون الآخرين بشدة وقسوة، فآثرت الاعتزال عنهم، فلا أجالسهم في مأكل أو مشرب إلا نادرًا.

وهم ينتقدوني على ذلك؛ خاصة أمي وأبي، ويحسبون اعتزالي لهم أن ذلك لا مبالاة بهم، وعندما يجتمع إخوتي في بيتنا تأتي نساؤهم بملابس غير محتشمة؛ فلا أجالسهم، لكن في بعض الأحيان اضطر لذلك، وأحيانًا تحت ضغط أمي عليّ.

المشكلة أني لا أستطيع إنكار المنكر عندما يكون أمامي بلساني؛ فكل ما أفعله نصيحة برسالة جوال فقط، وليس لي قوة في إنكار المنكر، وذلك لأني لو أنكرت منكرًا بلساني ارتكبت مفسدة أعظم، لأني لا أحسن الإنكار، وليس لي قوة في البيان، ولا طلاقة في اللسان، فأنكر بقلبي واعتزل.

لكنني سئمت من هذا الوضع؛ وأتمنى أن يكون بيتنا عامرًا بالطاعة، وبذكر الله، وسلامة القلوب والألسن... أرشدوني بارك الله في علمكم.

الجواب:

أخانا الحبيب:

السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:

لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد أصبح هو الفريضة الغائبة في مجتمعنا المعاصر، الذي كثرت فيه المنكرات وتنوعت أشكالها وتعددت صورها، وقل فيه المعروف وندر فاعله؛ وإن كان موجودًا لم يزل حتى قيام الساعة؛ قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

ولتعلم أخي- فقهك الله- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أشرف الأعمال، وأكثرها أجرًا، والقائمين به هم صفوة الأمة؛ قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...} [التوبة: 71].

يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة لابد منها لصلاح المجتمعات واستقامتها، فهو يحفظ الضرورات الخمس (حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل)؛ قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17].

وقد حذر الله المؤمنين من ترك هذه الفريضة؛ وبين أن هلال بني إسرائيل كان بسبب التغافل عنها والتقصير فيها؛ فقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 78- 81].

والمعروف هو ما عرفه الشرع، والمنكر هو ما أنكره الشرع؛ والأمر بالمعروف هو الأمر بكل خير، والنهي عن المنكر هو النهي عن كل شر، والمعروف اسم جامع مانع لكل خصال الخير، والمنكر اسم جامع مانع لكل خصال الشر، والمنكر أعم من المعصية، فكل معصية منكر وليس العكس؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب خيرية أمة محمد؛ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ...} [آل عمران: 110].

وقد اتفق العلماء على أن الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر لابد أن تتوفر فيه عدة شروط أهمها: أن يكون مكلفًا فلا أمر ولا نهي واجبًا على الطفل غير البالغ أو الغلام غير المميز، وان يكون مسلمًا فهو ليس بواجب على غير المسلم، وأن يكون مخلصًا يقصد بأمره ونهييه وجه الله عز وجل ولا شيء غير ذلك، وأن يكون أمره بالمعروف بالمعروف، وألا يكون نهيه عن المنكر بمنكر، وأن يكون متبعًا في أمره ونهييه هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وان يكون عالمًا بما يأمر به أو ينهى عنه، وأن يكون الأمر والنهي في مقدوره، وداخل في سلطته ولن يترتب عليه منكر أكبر.

ولابد للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون رفيقًا مع من يأمرهم وينهاهم، وأن يبدأ بنفسه ليكون قدوة، وأن يكون عادلا فيساوي بين القرابة وغيرهم، وأن يكون فقيها بالأولويات فيبدأ بالأهم ثم المهم، وأن يصبر على الأذى، وأن يكون حليمًا، وأن يبدأ بالأمر الأرفق ويؤخر الأصعب، وأن يراعي المصالح ويلتمسها، وأن يدفع المفاسد ويسعى لتجنبها. وأن يتجنب الأمر والنهي في المسائل والقضايا الخلافية، والتي تتعدد فيها الآراء الصحيحة، وإنما يكون الأمر والنهي في المتفق فيه وهو كثير.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مراتب لابد من مراعاتها؛ فهناك مرتبة الأعلى (الأب/ الأستاذ/ الشيخ/ الرئيس/ الأسن/ الأعلم/ الأفضل/ الأعلى منزلة أو مكانة/...)، وهناك مرتبة الند والنظير والشبيه (الزميل/ الصديق/ الصحاب/ الجار/ المثيل/ القرين/....)، وهناك مرتبة الأدنى (الابن/ التلميذ/ المريد/ المرؤوس/ الأصغر/ الأدنى منزلة أو مكانة/...)، ولكل مرتبة من هذه المراتب الثلاث فقهها الخاص، وأسلوبها المناسب، وأدواتها الملائمة، فاحذر من الخلط بين المراتب والوسائل.

والإنكار درجات: فهناك الدرجة الأدنى (الإنكار بالقلب)، وهناك الدرجة الوسطى (الإنكار باللسان)، وهناك الدرجة الأعلى (الإنكار باليد والقوة)، ولكل درجة من هذه الدرجات الثلاث أحكامها وفقهها الخاص، على ألا يخلو قلب المؤمن من إنكار، وأقل الإنكار يكون بالقلب ويقتضي مفارقة المنكر وأهله.

وعليه فإنني ألخص لك ردي في النقاط التالية:-

1- هون عليك ولا تأخذ نفسك عليهم حسرات: فغالب البيوتات في العالم العربي والإسلامي تسود فيها آفات اللسان؛ وتكثر فيها الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء بالآخرين، وتتساهل في الكذب عند الحديث وتعتبره منجاة وهو فيه الهلاك، ولا أقصد بكلامي هذا أن تتركهم على ما هم فيه فلا تأمرهم ولا تنههم؛ لا بل أقصد أن تنظر إلى الأمر بتروٍ وان تفكر في معالجة الوضع بتمهل، حتى لا تفقد أهلك.

2- كرر النصيحة ولا تمل: فلست أفضل من نبي الله نوح عليه السلام الذي حكى القرآن على لسانه ما فعله قومه معه؛ فقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 5- 9]، وقال أيضًا: {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلًا} [نوح: 21- 24]، ومع هذا فلم ييأس ولم يقنط ولم يمل من دعوتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

3- احذر اعتزالهم ولكن خالطهم وتميز: فلا مانع أن تجالسهم في المأكل والمشرب؛ فإذا ما انتقلوا إلى معصية كغيبة أو نميمة أو... فلا تجاريهم، ولا تنضم لجلستهم، فراوح بين المخالطة مع التميز، وتجنب المقاطعة الكاملة، والعزلة الشاملة، فإنها لا تأتي بخير وسط الأهل والأسرة (الأب/ الأم/ الإخوة/ الأخوات/...) على وجه الخصوص.

4- اتبع أسلوب فرق تسد وكن فقيهًا: وملخصه أن ترتبهم من حيث الوقوع في المعصية، من الأكثر إلى الأقل، وأن تبدأ بدعوة الأقل وقوعًا في المعصية، وأن تنفرد بأقربهم منك، واحدًا تلو الآخر، لأنهم إن اجتمعوا عليك غلبوك، خاصة وأنك تقول أنك (ليس لي قوة في إنكار المنكر)، (لا أحسن الإنكار، وليس لي قوة في البيان، ولا طلاقة في اللسان)، واعمل معهم في صمت ودون إعلان عن خطتك، حتى إذا تراكم جهدك، وبدأ يثمر اكشف عنه دون الإشارة إليه، وابدأ معهم بأقل القضايا خلافًا وجنب الأمور الشائكة التي ستثيرهم وتجعلهم يهاجموك. وهكذا كن فقيها.

5- نوع أسلوبك وتجنب المفسدة الأعظم: واتبع قاعدة تفويت الخير الأصغر من أجل الخير الأكبر، وجدد في أسلوب دعوتك لهم، فاهد لأقربهم منك كتابًا يبين حرمة الغيبة والنميمة، أو أسطوانة مدمجة (سي دي) تبين خطورة الكذب وسوء عاقبة الكذابين، وتخير الوقت المناسب لدعوتك، ويمكنك أن تقدم لهم البديل الصالح (قناة دينية)، أو (أنشودة إسلامية)، أو (خطبة رائعة لشيخ مؤثر)،... وهكذا.

6- التزم الإنكار بالقلب في المرحلة الأولى: لأنها الأنسب للحال، وشيئًا فشيئًا انتقل بأدب وهدوء ودون صخب إلى مرحلة الإنكار باللسان، على أن يكون أمرك بمعروف وألا يكون نهيك بمنكر.

وختامًا؛ نسأل الله عز وجل أن يصلح لك أهلك وأسرتك، وأن يهد قلوبهم للاستجابة لنداء الشرع والعقل، وأن يصرف عنهم كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الكاتب: همام عبدالمعبود.

المصدر: موقع المسلم.